صيد الخاطر/فصل: وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم
فصل: وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم
أعوذ با الله من صحبة البطالين، لقد رأيت خلقا كثيرا يجرون معي فيما قد إعتاده الناس من كثرة الزيارة، ويسمون ذلك الترددخدمة، ويطلبون الجلوس ويجرون فيه أحاديث الناس وما لا يعني، وما يتخلله غيبة. وهذا شيء يفعله في زماننا كثير من الناس، وربما طلبه المزور وتشوق إليه، وإستوحش من الوحدة، وخصوصا في أيام التهاني والأعياد. فتراهم يمشي بعضهم إلى بعض، ولا يقتصرون على الهناء والسلام، بل يمزجون ذلك بما ذكرته من تضييع الزمان. فلما رأيت أن الزمان أشرف شيء، والواجب إنتهاؤه بفعل الخير، كرهت ذلك وبقيت مهم بين أمرين: إن أنكرت عليهم وقعت وحشة لموضع قطع المألوف، وإن تقبلته منهم ضاع الزمان، فصرت أدافع اللقاء جهدي، فإذا غلب قصرت في الكلام لأتعجل الفراق، ثم أعددت أعمالا تمنع من المحادثة لأوقات لقائهم لئلا يمضي الزمان فارغا. فجعلت من المستعد للقائهم قطع الكاغد وبري القلام، وحزم الدفاتر، فإن هذه الأشياء لا بد منها. ولا تحتاج إلى فكر وحضور قلب، فأرصدتها لأوقات زيارتهم يضيع شيء من وقتي. نسأل الله عز وجل أن يعرفنا أوقات العمر، وان يوفقنا لإغتنامه. ولقد شاهدت خلقا كثيرا لا يعرفون معنى الحياة، فمنهم من أغناه الله عن التكسب بكثرة ماله، فهو يقعد في السوق أكثر النهار ينظر إلى الناس، وكم تمر به من آفة ومنكر. ومنهم من يخلو بلعب الشطرنج، ومنهم من يقطع الزمان بكثرة الحوادث من السلاطين والغلاء والرخص، إلى غير ذلك. فعلمت أن الله تعالى لم يطلع على شرف العمر ومعرفة قدر أوقات العافية إلا من وفقه وألهمه إغتنام ذلك وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم.