صيد الخاطر/فصل: الجنة ودرجاتها
فصل: الجنة ودرجاتها
والله إني لأتخايل دخول الجنة ودوام الإقامة فيها من غير مرض ولا بصاق ولا نوم ولا آفة تطرأ بل صحة دائمة وأغراض متصلة لا يعترضها منغص، في نعيم متجدد في كل لحظة، إلى زيادة لا تتناهى. فأطيش ويكاد الطبع يضيق عن تصديق ذلك، لو لا أن الشرع قد ضمنه. معلوم أن تلك المنازل إنما تكون على قدر الإجتهاد ههنا. فوا عجبا من مضيع لحظة فيها. فتسبيحه تغرس له في الجنة نخلة أكلها دائم وظلها. فيا أيها الخائف من فوت ذلك شجع قلبك بالرجاء. ويا أيها المنزعج لذكر الموت تلمح ما بعد مرارة الشربة من العافية. فإنه من ساعة خروج الروح، لا بل قبل خروجها تنكشف المنازل لأصحابها فيكون سير المجذوب للذة المنتقل إليه. ثم الأرواح في حواصل طير تعلق في أشجار الجنة. فكل الآفات والمخالفات في نهار الأجل، وقد إصفرت شمس العمر. فالبدار البدار قبل الغروب ولا معين يرافق على تلك الطريق إلا الفكر إذا جلس مع العقل فتذاكرا العواقب. فإذا فرغ ذلك المجلس، فالنظر في سير المجدين فإنه يعود مستجلبا للفكر منها للفضائل، والتوفيق من وراء ذلك. ومتى أراك لشيء هيأك له. فأما مخالطة الذين ليس عندهم خبر إلا من العاجلة فهو من أكبر أسباب مرض الفهم وعلل العقل. والعزلة عن الشر حمية، والحمية سبب العافية.