صيد الخاطر/فصل: عودوا كل بدن ما اعتاد
فصل: عودوا كل بدن ما اعتاد
عدللا ينبغي للإنسان أن يحمل على بدنه ما لا يطيق، فإن البدن كالراحلة إن لم يرفق لها لم تصل بالراكب. فترى في الناس من يتزهد وقد ربى جسده على الترف، فيعرض عما ألفه، فتتجدد له الأمراض، فتقطعه عن كثير من العبادات. وقد قيل: [ عودوا كل بدن ما إعتاد ]. وقد قرب إلى رسول الله ﷺ ضب فقال: أجدني أعافه، لأنه ليس بأرض قومي. وفي حديث الهجرة: أن أبا بكر رضي الله عنه طلب لرسول الله ﷺ الظل، وفرش له فروة وصب على القدح الذي فيه اللبن ماء حتى برد. جاء رسول الله ﷺ على قوم فقال: إن كان عندكم ماء بات في شن وإلا كرعنا. وكان ﷺ يأكل لحم الدجاج. وفي الصحيح: أنه كان يحب الحلوى والعسل، وكان إذا لم يقدر أكل ما حضر. ولعمري إن في العرب وأهل السواد من لا يؤثر عنده التخشن في المطعم والملبس، وذاك إذا جرى بعد نوبته على عادته لم يستضر. فأما من قد ألف اللطف، فإنه إذا غير حالته تغير بدنه، وقلت عبادته. وقد كان الحسن يديم أكل اللحم ويقول: [ لا رغيفي مالك، ولا صحني فرقد ]. وكان ابن سيرين لا يخلي منزله من حلوى. وكان سفيان الثوري يسافر وفي سفرته الحمل المشوي، والفالوذج. وقالت: رابعة: [ ما أرى لبدن يراد به العمل لله إذا أكل الفالوذج عيبا ]. فمن ألف الترف فينبغي أن يتلطف بنفسه إذا أمنكنه. وقد عرفت هذا من نفسي، فإني ربيت في ترف فلما إبتدأت في التقلل وهجر المشتهي، أثر معي مرضا قطعني عن كثير من التعبد. حتى أني قرأت في أيام كل يوم خمسة أجزاء من القرآن، فتتاولت يوما ما لا يصلح، فلم أقدر في ذلك اليوم على قراءتها. فقلت: إن لقمة تؤثر قراءة خمسة أجزاء بكل حرف عشر حسنات، إن تناولها لطاعة عظيمة. وإن مطعما يؤذي البدن فيفوته فعل خير، ينبغي أن يهجر. وقد رأى رسول الله ﷺ رجلا من أصحابه حضر عنده وقد تغير من التقشف فقال له: من أمرك بهذا؟. فالعاقل يعطى بدنه من الغذاء ما يوافقه عن ما ينقي الغازي شعير الدابة. ولا تظنن أني آمر بأكل الشهوات، ولا بالإكثار من الملذوذ، إنما آمر بتناول ما يحفظ النفس، وأنهيع ما يؤذي البدن. فأما التوسع في المطاعم، فإنه سبب النوم والشبع يعمي القلب، ويهزل البدن ويضعفه. فإفهم ما أشرت أليه، فالطريق هي الوسطى.