صيد الخاطر/فصل: الله أعلم بما يصلح عبده
فصل: الله أعلم بما يصلح عبده
اللذات كلها بين حسي وعقلي، فنهاية اللذات الحسية وأعلاها النكاح، وغاية اللذات العقلية العلم، فمن حصلت له الغاياتان في الدنيا فقد نال النهاية، وأنا أرشد الطالب إلى أعلى المطلوبين، غير أن للطالب المرزوق علامة وهو أن يكون مرزوقا علو الهمة، وهذه الهمة تولد مع الطفل فتراه من زمن طفولته يطلب معالي الأمور. كما يروى في الحديث أنه كان لعبد المطلب مفرش في الحجر، فكان النبي ﷺ يأتي وهو طفل فيجلس عليه، فيقول عبد المطلب: [ إن لإبني هذا شأنا ]. فإن قال قائل: فإذا كانت لي همة ولم أرزق ما أطلب فما الحيلة؟ فالجواب: أنه إذا امتنع الرزق من نوع لم يمتنع من نوع آخر. ثم من البعيد أن يرزقك همة ولا يعينك، فأنظر في حالك فلعله أعطاك شيئا ما شكرته، أو إبتلاك بشيء من الهوى ما صبرت عنه. واعلم أنه ربما زوى عنك من لذات الدنيا كثيرا ليؤثرك بلذات العلم، فإنك ضعيف ربما لا تقوى على الجمع، فهو أعلم بما يصلحك. وأما ما أردت شرحه لك فإن الشاب المبتدئ طلب العلم ينبغي له أن يأخذ من كل علم طرفا، ويجعل علم الفقه الأهم، ولا يقصر في معرفة النقل، فيه تبين سير الكاملين، وإذا رزق فصاحة من حيث الوضع، ثم أضيف إليها معرفة اللغة والنحو فقد شحذت شفرة لسانه على أجود مسن. ومتى أدى العلم لمعرفة الحق وخدمة الله عز وجل فتحت له أبواب لا تفتح لغيره. وينبغي له بالتلطف أن يجعل جزءا من زمانه مصروفا إلى توفير الإكتساب والتجارة، مستنيبا فيها، غير مباشر لها مع التدبير في العيش الممتن من الإسراف والتبذير. فإن رواية العلم والعمل به إلى درجة المعرفة لله عز وجل آسرة للمشاعر، فربما شغلته لذة ما وصل إليه عن كل شيء، ويا لها حالة سليمة من آفة. وإن وجد من طبعه منازعا إلى الشوق في النكاح فليتخير السراري فإن الحرائر في الأغلب غل، وليعزل عن المملوكات إلى أن يجرب خلقهن ودينهن، فإن رضيهن طلب الولد منهن، وإلا فالإستبدال بهن سهل. ولا يتزوج حرة إلا أن يعلم أنها تصبر على التزويج عليها والتسري، ولكن قصده الاستمتاع بها لا إجهاد النفس في الإنزال. فإن ذلك يهدم قوته فيضعف الأصل. فهذه الحالة الجامعة من لذتي الحسن والعقل ذكرتها على وجه الإشارة. وفهم الذكي يملى عليه ما لم أشرحه.