صيد الخاطر/فصل: لا تسبوا الدهر
فصل: لا تسبوا الدهر
ما رأيت عيني مصيبة نزلت بالخلق أعظم من سبهم للزمان، وعيبهم للدهر. وقد كان هذا في الجاهلية، ثم نهى رسول الله ﷺ عن ذلك فقال: لا تسبوا الدهر، فإن الله هو الدهر. ومعناه أنتم تسبون من فرق شملكم، وأمات أهاليكم، وتنسبونه إلى الدهر، والله تعالى هو الفعل لذلك. فتعجبت كيف أعلم أهل الأسقام بهذه الحال، وهم على ما كان أهل الجاهلية عليه ما يتغيرون، حتى ربما إجتمع الفطناء الأدباء الظراف على زعمهم فلم يكن لهم شغل إلا ذم الدهر. وربما جعلوا الله الدنيا، ويقولون: فعلت وصنعت، حتى رأيت لأبي القاسم الحريري يقول:
ولما تعامى الدهر وهو أبو الردى عن الرشد في أنحائه ومقاصده
تعاميت حتى قيل إني أخو عمى ولا غرو أن يحذر الفتى حذو والده
وقد رأيت خلقا يعتقدون أنهم فقهاء وفهماء ولا يتاحشون من هذا. وهؤلاء إن أرادوا بالدهر مرور الزمان، فذاك لا إختيار له ولا مراد ولا يعرف رشدا من ضلال، ولا ينبغي أن يلام. فإنه زمان مدبر، فيتصرف فيه ولا يتصرف. وما يظن بعاقل أن يشير إلى أن المذموم المعرض عن الرشد، السيء الحكم، هو الزمان. فلم يبق إلا أن القوم خرجوا عن ربقة الإسلام، ونسبوا هذه القبائح إلى الصانع، فإعتقدوا فيه قصور الحكمة، وفعل ما لا يصح، كما إعتقده إبليس في تفضيل آدم. وهؤلاء لا ينفعهم، مع هذا الزيغ، إعتقاد إسلام، ولا فعل صلاة. بل هم شر من الكفار، لا أصلح الله لهم شأنا، ولا هداهم إلى رشاد.