صيد الخاطر/فصل: دعوى المعرفة مع العبد عن العرفان
فصل: دعوى المعرفة مع العبد عن العرفان
أعجب العجب دعوى المعرفة مع البعد عن العرفان. بالله، ما عرفه إلا من خاف منه، فأما المطمئن فليس من أهل المعرفة. وفي المتزهدين أهل تغفيل، يكاد أحدهم يوقن أنه ولي محبوب ومقبول. وربمات توالت [ عليه ] ألطاف ظنها كرامات ونسي الاستدراج الذي لفت مساكنته الألطاف. وربما احتقر غيره وظن أن محلته محفوظة به، تغره ركيعات ينتصب فيها، أو عبادة ينصب بها. وربما ظن أنه قطب الأرض، وأنه لا ينال مقامه بعده أحد. وكأنه ما علم أنه نبينا موسى مكالم نبئ يوشع. وبينا زكريا عليه السلام مجاب الدعوة نشر بالمنشار. وبينا يحيى عليه السلام يوسف بأنه سيد سلط عليه كافر احتز رأسه. وبينا بلعام معه الاسم الأعظم صار مثله كمثل الكلب. وبينا الشريعة يعمل بها نسخت وبطل حكمها. وبينا البدن معمور خرب وسلط البلى عليه. وبينا العالم يدأب حتى ينال مرتبة يعتقدها، نشأ طفل في زمانه ترقى إلى سبر عيوبه وغلطه. كم من متكلم يقول: ما مثلي..، لو عاش فسمع ما حدث بعده من الفصاحة هد نفسه أخرسا. هذا وعظ ابن السماك، وابن عمار، وابن سمعون، لا يصلح لبعض تلامذتنا ولا يرضاه. فكيف يعجب من ينفق شيئا. وربما أتى بعدنا من لا يعدنا؟ فا الله الله من مساكنة مسكن، ومخالفة مقام. وليكن المتيقظ على انزعاج، محتقرا للكثير من طاعاته، خائفا على نفسه من تقلباته، ونفوذ الأقدار فيه. واعلم أن تلمح هذه الأشياء التي أشرت إليها يضرب عنق العجب، ويذهب كبر الكبر.