صيد الخاطر/فصل: النفس تطلب مالا تقدر عليه
فصل: النفس تطلب مالا تقدر عليه
رأيت المعافى لا يعرف قدر العافية إلا في المرض كما لا يعرف شكر الإطلاق إلا في الحبس. وتأملت على الآدمي حاله عجيبة، وهو أن تكون معه إمرأة لا بأس بها، إلا أن قلبه لا يتعلق بمحبتها تعلقا يلتذ به. ولذلك سببان: أحدهما: أن تكون غير غاية في الحسن. والثاني: أن كل مملوك مكروه، والنفس تطلب ما لا تقدر عليه. فتراه يضح ويشتهي شيئا يحبه أو امرأة يعشقها، ولا يدري أنه إنما يطلب قيدا وثيقا، يمنع القلب من التصرف في أمور الآخرة، أو في أي علم أو عمل ويخبطه في تصريف الدنيا، فيبقى ذلك العاشق أسير المعشوق، همه كله معه. فالعجب لمطلق يؤثر القيد، ومستريح يؤثر التعب. فإن كانت تلك المرأة تحتاج أن تحفظ، فالويل له لا قرار، ولا سكون. وإن كانت من المتبرجات اللواتي لا يؤمن فسادهن، فذاك هلاكه بمرة. فلا هو إن نام يلتذ بنومه، ولا إن خرج من الدار يأمن من محنه. وإن كانت تريد نفقة واسعة وليس له، فكم يدخل مدخل سوء لأجلها. وإن كانت تؤثر الجماع وقد علت سنة، فذاك الهلاك العظيم. وإن كانت تبغضه فما بقيت من أسباب تلفه بقية، فيكون هذا ساعيا في تلف نفسه، كما قال القائل:
نحب القدود ونهوى الحدود ونعلم أنا نحب المنونا
وهذا على الحقيقة كعابد صنم. فاليتق الله من عنده إمرأة لا بأس بها، وليعرض عن حديث النفس ومناها فما له منتهى. ولو حصل له غرضه كما يريد، وقع الملل وطلب ثالثه. ثم يقع الملل ويطلب رابعة، وما لهذا آخر. إنما يفيده ذلك في العاجلة تعلق قلبه وأسر لبه فيبقى كالمبهوت. فكره كله في تحصيل ما يريد محبوبه، فإن جرت فرقة أو آفة، فتلك الحسرات الدائمة إن يبقى أو التلف عاجلا. وأين المستحسن المصون الدين القنوع المحب لمن يحبه هذا أقل من الكبريت الأحمر. فلينظر في تحصيل ما يجمع معظم الهم، ولا يلتفت إلى سواد الهوى وغاية المنى، يسلم.