صيد الخاطر/فصل: متى تحقق المراقبة حصل الأنس
فصل: متى تحقق المراقبة حصل الأنس
عدلالحق عز وجل أقرب إلى عبده من حبل الوريد، لكنه عامل العبد معاملة الغائب عنه البعيد منه. فأمر بقصد نيته، ورفع اليدين إليه، والسؤال له. فقلوب الجهال تستشعر البعد، ولذلك تقع منهم المعاصي، إذ لو تحققت مراقبتهم للحاضر الناظر لكفوا الكف عن الخطايا. والمتيقظون علموا قربه فحضرهم المراقبة، وكفتهم عن الانبساط. ولولا نوع تغطية على عين المراقبة الحقيقية لما انبسطت كف بأكل، ولا قدرت عين على نظر. ومن هذا الجنس إنه ليغان على قلبي ومتى تحققت المراقبة حصل الأنس وإنما يقع الأنس بتحقيق الطاعة، لأن المخالفة توجب الوحشة، والموافقة مبسطة المستأنسين. فيا لذة عيش المستأنسين، ويا خسار المستوحشين. وليست الطاعة كما يظن أكثر الجهال أنها في مجرد الصلاة والصيام، إنما الطاعة الموافقة بامتثال الأمر واجتناب النهي. هذا هو الأصل والقاعدة الكلية، فكم من متعبد بعيد، لأنه مضيع الأصل، وهادم للقواعد بمخالفة الأمر وارتكاب النهي، وإنما المحقق من أمسك ذؤابه ميزان المحاسبة للنفس، فأدى ما عليه، واجتنب ما نهي عنه، فإن رزق زيادة تنقل، وإلا لم يضره، والسلام.