صيد الخاطر/فصل: الاشتغال بخدمة الخالق
فصل: الاشتغال بخدمة الخالق
عدلواعجبا من موجود لا يفهم معنى الوجود، فإن فهم لم يعمل بمقتضى فهمه. يعلم أن العمر قصير، وهو يضيعه بالنوم والبطالة، والحديث الفارغ، وطلب اللذات، وإنما أيامه أيام عمل لا زمان فراغ. وقد كلف يبذل المال بمخالفة الطبع من الشرع فبخل به إلى أن يتضايق الخناق، فيقول حينئذ: فرقوا عني بعد موتي وافعلوا كذا. فأين يقع هذا لو فعل، وبعيد أن يفعل، وإنما يراد بإنفاقك في صحتك مخالفة الطبع في تكلف مشاق الإخراج في زمن السلامة. فأفرق بين الحالتين إن كان لك فهم. فالسعيد من انتبه لنفسه وعمل بمقتضى عقله، وإغتنم زمنا نهايته الزمن وإنتهب عمرا بأقرب إنقطاعه. ويحك ما تصنع بادخار مال لا يؤثر حسنة في صحيفة ولا مكرمة في تاريخ؟ أما سمعت بإنفاق أبي بكر وبخل ثعلبة؟ أما رأيت تأثير مدح حاتم وبخل الحباحب؟ ويحك لو إبتلاك فيمالك لاستغثت، أو في بدنك ليلة بمرض لشكوت. فأنت تسؤفي مطلوباتك منه، ولا تستوفي حقه عليك ويل للمطففين. ولتعلم أن هذا القدر المفرط فيه يحل الخلود الدائم في ثواب العمل فيه. فسبحان من من على أقوام فهموا المراد فأتعبوا الأجساد، وغطى على قلوب آخرين فوجودهم كالعدم. وكيف لا يتعب العاقل بدنه إتعاب البدن المقصود منى. أترى ما بال الحق متجليا في إيجادك أيها العبد. بلى، والله إن وجودك دليل وجوده. وإن نعمه عليك دليل جوده. فكما قدمك على سائر الحيوانات، فقدمه في قلبك على كل المطلوبات. وا خيبة من جهله، وا فقر من أعرض منه، وا ذل من إعتز بغيره، وا حسرة من إشتغل بغير خدمته.