صيد الخاطر/فصل: اتباع الشهوات
فصل: اتباع الشهوات
عدلبلغني عن بعض فساق القدماء أنه كان يقول: ما أرى العيش غير أن تتبع النفس هواها، فمخطئا أو مصيبا. فتدبرت حال هذا، وإذا به ميت النفس، ليس له أنفة على عرضه، ولا خوف عار. ومثل هذا ليس في مسلاخ الآدميين، فإن الإنسان قد يقدم على القتل لئلا يقال جبان. ويحمل الأثقال ليقال ما قصر. ويخاف العار فيصبر على كل آفة من الفقر، وهو يستر ذلك حتى لا يرى بعين ناقصة. حتى إن الجاهل إذا قيل له يا جاهل إغضب. واللصوص المتهيؤون للحرام إذا قال أحدهم للآخر لا تتكلم، فإن أختك تفعل وتصنع، أخذته الحمية فقتل الأخت. ومن له نفس لا يقف في مقام تهمة لئلا يظن به. فأما من لا يبالي أن يرى سكرانا، ولا يهمه أن شهر بين الناس، ولا يؤلمه ذكر الناس له بالسوء فذاك في عداد البهائم. وهذا الذي يريد أن يتبع النفس هواها لا يلتذ به أنه لا يخاف عنتا ولا لوما، ولا يكون له عرض يحذر عليه، فهو بهيمة في مسلاخ إنسان. وإلا فأي عيش لمن شرب الخمر، وأخذ عقيب ذلك وضرب وشاع في الناس ما قد فعل به. أما يفي ذلك باللذة، لا؟ بل يربو عليها أضعافا. وأي عيش ساكن الكسل إذا رأى أقرانه قد برزوا في العلم وهو جاهل. أو استغنوا بالتجارة وهو فقير، فهل يبقى للالتذاذ بالكسل والراحة معنى؟ ولو تفكر الزاني في الأحدوثة عنه، أو تصور أخذ الحد منه، لكف الكف. غير أنه يرى لذة حاضرة كأنها لمع برق، ويا شؤم ما أعقبت من طول الأسى. هذا كله في العاجل. فأما الأجل فمنغصه العذاب دائمة، والذين آمنوا مشفقون منها. نسأل الله أنفة من الرذائل، وهمة فيطلب الفضائل، إنه قريب مجيب.