صيد الخاطر/فصل: العبث على الله محال
فصل: العبث على الله محال
عدلقد تكرر معناه في هذا الكتاب، إلا أن إعادته على النفوس مهمة لئلا يغفل عن مثله. ينبغي للمؤمن أن يعلم أن الله سبحانه مالك حكيم لا يعبث، وهذا العلم يوجب نفي الإعتراض على القدر. وقد لهج خلق بالاعتراض قدحا في الحكمة، وذلك كفر. وأولهم إبليس في قوله: خلقتني من نار وخلقته من طين. ومعنى قوله: أن تفضيلك الطين على النار ليس بحكمة. وقد رأيت من كان فقيها دأبه الإعتراض. وهذا لأن المعترض ينظر إلى صورة الفعل، ولو أن صورة الفعل صدرت من مخلوق مثلنا حسن أن يعترض عليه. فأما من نقصت الأفهام عن مطالعة حكمته، فإعتراض الناقص الجاهل عليه جنون. فأما إعتراض الخلعاء فدائم، لأنهم يريدون جريان الأمور على أغراضهم، فمتى إنكسر لأحدهم إعتراض. وفيهم من يتعدى إلى ذكر الموت فيقول: بنى ونقض. وكان لنا رفيق قرأ القرآن والقراءات وسمع الحديث الكثير، ثم وقع في الذنوب وعاش أكثر من سبعين سنة، فلما نزل به الموت ذكر لي انه قال: [ قد ضاقت الدنيا إلا من روحي ]. ومن هذا الجنس سمعت شخصا يقول عند الموت: ربي يظلمني. وهذا كثير. ويكره أن يحكى كلام الخلعاء في جنونهم وإعتراضاتهم الباردة. ولو فهموا أن الدنيا ميدان مسابقة ومارستان صبر ليبين بذلك أثر الخالق، لما إعترضوا. والذي طلبوه من السلامة وبلوغ الأغراض أمامهم لو فهموا. فهم كالزور جاري يتلوث بالطين، فإذا فرغ لبس ثياب النظافة. ولما أريد نقض هذا البدن الذي لا يصلح للبقاء نحيت عنه النفس الشريفة وبني بناء يقبل الدوام. وبعد هذا فقل للمعترض: فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ. قل له: إن إعترض لم يمنع ذلك جريان القدر، وإن سلم جرى القدر. فلأن يجري وهو مأجور، خير من أن يجري وهو مأزور. وما أحسن سكوت وضاح اليمن لما إختبأ في صندوق، فقال السلطان: [ أيها الصندوق، إن كان فيك ما نظن فقد محونا أثرك ]. وإن لم يكن فليس بدفن خشب من جناح. فلو أنه صاح ما إنتفع بشيء، ولربما أخرج فقتل أقبح قتلة.