صيد الخاطر/فصل: أولياء الله
فصل: أولياء الله
تأملت الذين يختارهم الحق عز وجل لولايته والقرب منه. فقد سمعنا أوصافهم ومن نظنه منهم، ممن رأيناه. فوجدته سبحانه لا يختار إلا شخصا كامل الصورة، لا عيب في صورته، ولا نقص في خلقته. فتراه حسن الوجه، معتدل القامة، سليما من آفة في بدنه. ثم يكون كاملا في باطنه، سخيا جوادا عاقلا، غير خب ولا خادع، ولا حقود ولا حسود، ولا فيه عيب من عيوب الباطن. فذاك الذي يربيه من صغره، فتراه في الطفولة معتزلا عن الصبيان، كأنه في الصبا شيخ، ينبو عن الرذائل، ويفزع من النقائص، ثم لا تزال شجرة همته تنمو حتى يرى ثمرها متهدلا على أغصان الشباب، فهو حريص على العلم، منكمش على العمل، محافظ للزمان، مراع للأوقات، ساع في طلب الفضائل خائف من النقائص. ولو رأيت التوفيق والإلهام الرباني يحوطه، لرأيت كيفي أخذ بيده إن عثر، ويمنعه من الخطأ إن هم ويستخدمه في الفضائل، ويستر عمله عنه حتى لا يراه منه. ثم ينقسم هؤلاء. فمنهم من تفقه على قدم الزهد والتعبد، ومنهم من تفقه على العلم إتباع السنة. ويندر منهم من يجمع له الكل ويرقيه إلى مزاحمة الكاملين. وعلامة إثبات الكمال في العلم والعمل، الإقبال بالكلية على معاملة الحق ومحبته، واستيعاب الفضائل كلها، وسناء الهمة في نشدان الكمال الممكن. فلو تصورت النبوة أن تكسب لدخلت في كسبه. ومراتب هذا لا يحتملها الوصف، لكونه درة الوجود، التي لا تكاد تنعقد في الصدف إلا في كل ودود. نسأل الله عز وجل توفيقا لمراضيه وقريبه، ونعوذ به من طرده وإبعاده.