صيد الخاطر/فصل: الله لا يقبل إلا الطيب
فصل: الله لا يقبل إلا الطيب
رأيت بعض المتقدمين سئل عمن يكتسب حلالا وحراما من السلاطين والأمراء، ثم يبنى المساجد والأربطة: هل له فيها ثواب؟ فأقتى بما يوجب طيب قلب المنفق، وأن له في أنفاق ما لا يملكه نوع سمسرة، لأنه لا يعرف أعيان المغصوبين فيردها. فقلت: واعجبا. من المتصدين للفتوى الذين لا يعرفون أصول الشريعة. ينبغي أن ينظر في حال المنفق أولا، فإن كان سلطانا فما يخرج من بيت المال قد عرفت وجوه مصارفه، فكيف يمنع مستحقه ويشغله بما لا يفيد من بناء مدرسة ورباط. وإن كان المنفق من الأمراء ونواب السلاطين، فإنه يجب أن يرد ما يجب رده إلى بيت المال، وليس له فيه إلا ما فرض من إيجاب يليق به. فإن تصرف في غير ذلك كان مصروفا فيما ليس له، ولو أذن له كان الإذن جائزا. وإن كان قد أقطع مالا يقاوم عمله، كان ما يأخذه فاضلا من أموال المسلمين لا حق له فيه. وعلى من أطلقه في ذلك إثم أيضا. هذا وإذا كان حرما أو غصبا فكل تصرف فيه حرام، والواجب رده على من أخذ منه له على ورثتهم. فإن لم يعرف طريق الرد كان في بيت مال المسلمين، يصرف في مصالحهم أو يصرف في الصدقة، ولم يحظ آخذه بغير الإثم. أنبأنا أحمد بن الحسن بن البنا قال: أخبرنا محمد بن علي الزجاجي، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأسدي، قال: أخبرنا علي بن الحسن، قال: حدثنا أبو داوود، قال: حدثنا محمد بن عون الطائي، قال: حدثنا أبو المغيرة، قال: حدثنا الأوزعي، قال: حدثني موسى بن سليمان، قال: سمعت القاسم بن مخيمرة، يقول: قال رسول الله ﷺ: من اكتسب مالا من مأثم، فوصل رحما، أو تصدق به، أو أنفقه في سبيل الله، جمع ذلك جميعا فقذف بهفي جهنم. فأما إذا كان الباني تاجرا مكتسبا للحلال، فبنى مسجدا أو وقف وقفا للمتفقهة، فهذا مما يثاب عليه. ويبعد من يكتسب الحلال حتى يفضل عنه هذا المقدار، أو يخرج الزكاة مستقصاة، ثم يطيب قلبه بمثل هذا البناء والنفقة. إذ مثل هذا البنيان لا يجوز أن يكون من زكاة. وأين سلامة النية وخلوص المقصد. وإن بناء المدارس اليوم مخاطرة، إذ قد انعكف أكثر المتفقهة على علم الجدل، وأرعضوا عن علوم الشريعة، وتركوا التردد إلى المساجد، وقنعوا بالمدارس والألقاب. وأما بناء الأربطة فليس بشيء أصلا، لآن جمهور المتصوفة جلوس على بساط الجهل والكسل، ثم يدعي مدعيهم المحبة والقرب، ويكره التشاغل بالعلم، وقد تركوه سيرة سري وعادات الجنيد، واقتنعوا بأداء الفرائض، ورضوا بالمرقعات. فلا تحسن إعانتهم على بطالتهم وراحتهم، ولا ثواب في ذلك.