صيد الخاطر/فصل: الحر لا يشترى إلا بالإحسان
فصل: الحر لا يشترى إلا بالإحسان
العجب من الذي أنف الذل كيف لا يصبر على جلف الخبز، ولا يتعرض لمنن الأنذال. أتراه ما يعلم أنه ما بقي صاحب مروءة. وأنه إن سأل سأل بخيلا لا يعطي، فإن أعطى نزرا فإنه يستعبد المعطي بذلك العمر. ثم ذاك القدر النزر يذهب عاجلا، وتبقى المنن والخجل ورؤية النفس بعين الإحتقار، إذ صارت سائلة، ورؤية المعطي بعين التعظيم أبدا. ثم يوجب ذلك السكوت عن معائب المعطى، والبدار إلى قضاء حقوقه وخدمته في ما يفي. وأعجب من هذا من يقدر أن يستعبد الأحرار بقليل العطاء الفاني، ولا يفعل، فإن الحر لا يشترى إلا بالإحسان. قال الشاعر:
تفضل على من شئت واعن بأمره فأنت ولو كان الأمير أميره
وكن ذا غنى عمن تشاء من الورى ولو كان سلطانا فأنت نظيره
ومن كنت محتاجا إليه وواقفا على طمع منه فأنت أسيره'