صيد الخاطر/فصل: الزهد بلا إخلاص
فصل: الزهد بلا إخلاص
تأملت على متزهدي زماننا أشياء تدل على النفاق والرياء، وهم يدعون الإخلاص. منها أنهم يلتزمون زاوية فلا يزورون صديقا، ولا يعودون مريضا، ويدعون أنهم يريدون الانقطاع عن الناس اشتغالا بالعبادة. وأنما هي إقامة نواميس ليشار إليهم بالانقطاع، إذ لو مشوا بين الناس زالت هيبتهم. وما كان الناس كذلك، كان رسول الله ﷺ يعود المريض ويشتري الحاجة من السوق، وأبو بكر رضي الله عنه يتجر في البز. وأبو عبيدة بن الجراح يحفر القبور. وأبو طلحة أيضا، وابن سيرين يغسل الموتى. وما كان عند القوم إقامة ناموس. وأصحابنا يلزمون الصمت بين الناس والتخشع والتماوت، وهذا هو النفاق. فقد كان ابن سيرين يضحك بالنهار، وبين الناس، ويبكي بالليل. وقد رأيت من المتزهدين من يلزم المسجد ويصلي فيجتمع فيصلون الناس بصلاته ليلا ونهارا، وقد شاع هذا له، فتقوى نفسه عليه بحب المحمدة. والنبي ﷺ قال في صلاة التطوع: اجعلوا هذه في البيوت. وفي أصحابنا من يظهر الصوم الدائم، ويتقوت بقول الناس: فلان ما يفطر أصلا. وهذا الأبله ما يدري أنه لأجل الناس يفعل ذلك، لولا هذا كان يفطر والناس يرونه يومين أو ثلاثة حتى يذهب عنه ذلك الاسم ثم يعود إلى الصوم. وقد كان إبراهيم بن أدهم إذا مرض يترك عنده من الطعام ما يأكله الأصحاء. ورأيت في زهادنا من يصلي الفجر يوم الجمعة بالناس، ويقرأ المعوذتين والمعنى قد ختمت. فإن هذه الأعمال هي صريحة في النفاق والرياء. وفيهم من يأخذ الصدقات وهو غني، ولا يبالي أخذ الظلمة أو من أهل الخير، ويمشي إلى الأمراء يسألهم، وهو يدري من أين حصلت أموالهم. فالله الله في إصلاح النيات، فإن جمهور هذه الأعمال مردود. قال مالك بن دينار: [ وقولوا لمن لم يكن صادقا لا يتعنى ]. وليعلم المرائى أن الذي يقصده يفوته، وهو التفات القلوب إليه. فأنه متى لم يخلص حرم محبة القلوب، ولم يلتفت إليه أحد، والمخلص محبوب. فلو علم المرائي أن قلوب الذين يرائيهم بيد من يعصيه، لما فعل. وكم رأينا من يلبس الصوف ويظهر النسك لا يلتفت إليه، وآخر يلبس جيد الثياب ويبتسم والقلوب تحبه. نسأل الله عز وجل إخلاصا يخلصنا ونستعيد به من رياء يبطل أعمالنا إنه قادر.